تصميم الخط هو عملية معقدة وتتطلب الكثير من الخبرة والاهتمام بالتفاصيل. ومع ذلك، فإن العمل باستخدام خط جاهز قد لا يكون أقل تعقيدًا. كثيرًا ما يُطرح علينا سؤال: كيف نستخدم خطًا معينًا بشكل أفضل؟ وما هي الخطوط التي يمكن تنسيقها معه؟ نحن نساعد عملاءنا في اختيار أنسب الحلول الطباعية لمشاريعهم — سواء من خلال اختيار خطوط من مكتبتنا، أو من خلال تصميم خط مخصص من الصفر. وفي هذا المقال، سنشارككم خبرتنا في هذا المجال.
يوليا غونينا، المديرة الفنية في TypeType ومصممة خطوط مثل TT Livret وTT Fellows وTT Autonomous وTT Ricordi Todi، ستتحدث عن كيفية اختيار الخطوط المناسبة للمشروع، وكيفية تنسيقها معًا. كما سنتناول موضوع: لماذا نحتاج أصلًا إلى تنسيق الخطوط؟ وسنشرح المفاهيم الأساسية في عالم الخطوط، وندعم النظرية بأمثلة عملية. وفي نهاية المقال، ستشارك يوليا بعض المصادر المفيدة التي تستخدمها في عملها اليومي.
لماذا نقوم بتنسيق الخطوط؟
لِنبدأ بالإجابة على سؤال بسيط: هل من الضروري استخدام عدة خطوط في المشروع؟ أم يمكن الاكتفاء بخط واحد فقط؟
في الواقع، من الممكن تحقيق نتائج ممتازة باستخدام خط واحد فقط أو حتى نمط واحد من عائلة خطية معينة. فبإمكان خط واحد أن يمنح مشروعك هوية بصرية قوية ومتماسكة. مثال رائع على ذلك هو موقع Elisava Barcelona School of Design and Engineering، حيث نرى استخدام نمط واحد فقط من الخط — ومع ذلك يبدو التصميم أنيقًا وجذابًا للغاية.
سؤال منطقي يُطرح هنا: إذا كان من الممكن الاكتفاء بخط واحد، فلماذا نُنسّق بين عدة خطوط؟ أولًا، يمكن من خلال استخدام عائلات خطية مختلفة أن نُضيف للمشروع عمقًا بصريًا وعاطفيًا — كما لو كنا نُنسّق بين ألوان وأقمشة مختلفة في الملابس.
ثانيًا، يمكن في المشروع استخدام أنماط مختلفة من الخطوط. وأبسط مثال على ذلك هو استخدام نمط مميز للعناوين وآخر مناسب للنصوص.
كذلك، يمكن الاستفادة من تعدد الخطوط في: إبراز العناصر المهمة؛ فصل الكتل المعنوية والمحتوى؛ توجيه انتباه القارئ. وفوق كل ذلك، فإن تنسيق الخطوط يُعد تمرينًا ممتازًا يساعدك على فهم طبيعة الخطوط بشكل أعمق، وعلى إدراك الانطباع الذي تتركه لدى المتلقي.
مفاهيم وخصائص الخطوط
قبل أن نتحدث عن اختيار وتنسيق الخطوط، دعونا نمرّ سريعًا على المفاهيم الأساسية في عالم الخطوط. إذا كنت لست مبتدئًا وتعرف التصنيفات والمصطلحات جيدًا، يمكنك تخطي هذا القسم.
لنبدأ أولًا بالتعرّف على أنواع الخطوط الأساسية.
يمكننا التمييز بين أربعة أنواع رئيسية:
- إذا لم يكن في الخط أي تباين (أي أن جميع الخطوط بنفس السماكة تقريبًا)، ولا توجد فيه ذنابات زخرفية — فهذا النوع يُسمى غروتيسك؛
- إذا ظهرت الذنابات ولكن من دون تباين واضح (أو بتباين بسيط جدًا)، فهذا الخط يُصنّف ضمن فئة Slab Serif (سلاب)؛
- إذا وُجدت الذنابات وكان هناك تباين بصري ملحوظ في سماكة الخطوط، فأنت تنظر إلى خط من نوع أنتيكفا؛
- وإذا أخذنا خط أنتيكا وقمنا بإزالة الذنابات منه، لكننا أبقينا على التباين في السماكات — فسيُسمى الخط أنتيكفا شريطي.
في الوقت الحالي، يُعد الغروتيسك أكثر أنواع الخطوط انتشارًا، وتليه في المرتبة الثانية الأنتيكا. ولذلك سنركّز في هذا المقال على هذين النوعين بشكل أساسي. لكن بالتأكيد، هناك أنواع أخرى كثيرة من الخطوط. ويمكنك العثور على تصنيف مفصّل لها في مقالتنا: “تصنيف الخطوط“.
هناك سمة أخرى مهمة يجب الانتباه لها، وهي: مدى انفتاح أو انغلاق الفتحات في الحروف. لفهم هذه الفكرة، انظر إلى المثالين التاليين: في الحرف “C” في الجهة اليسرى، نلاحظ أنه يميل إلى الانغلاق؛ أما في الجهة اليمنى، فالحرف يبدو وكأنه يرغب في الانفتاح قدر الإمكان. وطبعًا، بين هذين الشكلين المتطرفين، توجد خيارات عديدة ومتدرجة.
للتعمق أكثر في تصنيف الخطوط، يمكننا الجمع بين درجة الانفتاح وخاصية أخرى مهمة — وهي نِسَب الحروف. فالحروف الدائرية، والمستطيلة، والمثلثة في الخط يمكن أن تختلف في العرض. وكما نرى في الأمثلة العلوية، فإن الحرفين “O” و”A” يظهران أعرض بشكل واضح مقارنةً بالحروف “H” و”E” و”S”.
كما أن بعض الحروف قد تميل إلى أن تكون بعرض متساوٍ تقريبًا — كما نرى في الأمثلة أدناه.
وعند الجمع بين النسب ودرجة الانفتاح أو الانغلاق، يمكننا تصنيف الخطوط إلى أنواع أو مجموعات أساسية (إذا أردنا تبسيط التصنيف بشكل كبير). ومن بين خطوط الغروتيسك، هناك ثلاثة أنواع رئيسية: الغروتيسك الهندسي: يتميز ببيضويات دائرية هندسية وفتحات مغلقة بوضوح. الغروتيسك الإنساني: يشبه في النسب الغروتيسك الهندسي، لكنه يحمل طابعًا يدويًا وإنسانيًا، وتكون أشكاله أكثر انفتاحًا ودفئًا. النيو-غروتيسك: وهو النوع الأكثر حيادية، يتميز بحروف متساوية العرض تقريبًا وفتحات متوسطة الانغلاق. وبالطبع، في الخطوط المعاصرة يمكن العثور على خليط من هذه السمات، مثل: نِسَب متساوية كما في النيو-غروتيسك، لكن مع فتحات مفتوحة مستوحاة من الغروتيسك الإنساني.
يُستحسن أيضًا الانتباه إلى أشكال الحروف نفسها، إذ يمكن أن تختلف بشكل ملحوظ، مما يؤثر مباشرة على طابع الخط. انظر، على سبيل المثال، إلى الحرفين “a” و”g” في الغروتيسك الإنساني: هما ناعمَان، مكوّنان من جزئين، ويمنحان الخط إحساسًا دافئًا وإنسانيًا. قارن ذلك بأشكال “a” و”g” في الغروتيسك الهندسي، والتي تأتي على شكل دوائر صافية وحادة مكوّنة من جزء واحد. في الغروتيسك النيو-كلاسيكي، نلاحظ شكلًا مميزًا للحرف “R”، وكذلك نهايات الحرفين “g” و”y”. لكن المثال الذي نتحدث عنه الآن يتميز أيضًا بطابع مبالغ فيه ومُلفت بصريًا، ولذلك يمكن اعتباره خطًا عرضيًا أو زخرفيًا، أي خطًا مخصصًا للاستخدام بالحجم الكبير، وليس للنصوص الطويلة.
فلنتوقف قليلًا عند التمييز بين الخطوط النصية والعرضية: من الواضح أن الخطوط النصية هي الخطوط السهلة القراءة بالحجم الصغير، ولا تشتت الانتباه بسبب تفاصيلها أو طابعها الغريب. وغالبًا ما تتميز هذه الخطوط بـ: تباين بسيط أو منعدم؛ أشكال محايدة وغير معقدة. على الجانب الآخر، هناك خطوط العناوين (العرضية)، التي تكون أكثر تعبيرًا وجرأة عند استخدامها بالحجم الكبير.وغالبًا ما تتميز بـ: تباين عالٍ؛ أو أشكال مميزة وكاريزمية. وبالطبع، كما ذكرنا سابقًا، هناك العديد من الحالات المتوسطة — خطوط ليست غريبة جدًا، لكنها أيضًا لا تناسب النصوص الصغيرة والطويلة. وقد تكون هذه خطوطًا مخصصة للعناوين الفرعية داخل عائلة واحدة، كما هو الحال في خط TT Livret، أو أنماطًا ثقيلة حتى من أكثر الخطوط حيادية، مثل أنماط Bold في غروتيسكات بسيطة.
اختيار الخط المناسب للمشروع
بعد أن أنهينا الجزء التمهيدي، دعونا ننتقل إلى الموضوع الرئيسي، ونبدأ بالسؤال: كيف نختار الخط المناسب لمشروع معين؟
الخطوط كثيرة جدًا، ومن السهل أن تضيع وسط هذا التنوع. لذلك، من الأفضل أولًا تضييق نطاق البحث. وأبسط خطوة يمكن أن تبدأ بها هي تحديد القيود التقنية. على سبيل المثال، تحديد اللغة التي يجب أن يدعمها الخط. إذا كنت بحاجة إلى السيريلية، فسيتم تقليص عدد الخيارات المتاحة بشكل كبير. ثم يعتمد كل شيء على طبيعة المشروع. ربما تعرف مسبقًا: الوزن المطلوب للخط (خفيف، متوسط، ثقيل) أو الميزات المحددة في OpenType التي تحتاجها. مثلًا، إذا كنت ستتعامل مع جداول كثيرة في التصميم، فستحتاج بالتأكيد إلى أرقام جدولية. وهكذا يمكن أن تتوسع القائمة حسب متطلبات مشروعك.
بعد ذلك، اسأل نفسك: أين وكيف سيتم استخدام الخط؟ ما هي وظيفته داخل المشروع؟ هل تحتاج إلى خط نصي أو عرضي؟ هل يجب أن يكون محايدًا أو ملفتًا للنظر؟ ثم ضع في الاعتبار متطلبات أكثر تحديدًا، مثلًا: هل يجب أن يكون الخط واضحًا وسهل القراءة في الأحجام الصغيرة؟ هل يجب أن يكون اقتصاديًا في المساحة لأنه سيُستخدم في أعمدة ضيقة؟ هذه مجرد أمثلة أولية على المتطلبات الممكنة لعائلة خطية، لكن كل مشروع سيأتي بشروطه الخاصة والمميزة. لنستعرض الآن بعض الأمثلة الحقيقية.
في الصورة على اليسار، نرى أن الخط يُشكّل أساسًا للتصميم بأكمله — فهو يُحدّد الطابع العام للمشروع. ومن الواضح أن سهولة القراءة بالحجم الصغير لم تكن أولوية هنا. لذلك تم اختيار الخط الجذاب والكارزمي TT Trailers. أما في المثال على اليمين، فالوضع مختلف تمامًا: الخط هنا ينقل المعلومات، لكنه لا يلفت الانتباه، ولا يُشتّت التركيز عن الصورة، كما أنه يعمل جيدًا في الأحجام الصغيرة.
في المثال على اليسار، يجب أن يكون الخط مريحًا لقراءة النصوص، لكن في الوقت نفسه، يجب أن يبدو مرتبًا وواضحًا عند استخدامه في عناوين صغيرة أيضًا. أما في المثال على اليمين، فالخط يُستخدم فقط في عبارات قصيرة وكبيرة الحجم، لذا لا بأس بأن يكون أكثر تعبيرًا وجرأة.
بعد الإجابة على كل هذه الأسئلة، ستكون قد قلّصت بشكل كبير نطاق البحث عن الخط المناسب. والآن، من بين الخيارات المتبقية، يجب أن تختار خطًا يناسب الطابع العام للمشروع. كما رأينا سابقًا، يمكن للخط أن: يُحدّد طابع المشروع بالكامل؛ أو يدعم الطابع العام من الخلفية، ويترك الأهمية للعناصر التصميمية الأخرى. وجدير بالذكر أن لكل خط شخصية خاصة به — حتى أكثر الخطوط حيادية تحمل في طيّاتها طابعًا خاصًا.
دعونا نلقي نظرة على بعض الأمثلة الأخرى: في المثال الأيسر، يقوم الخط TT Ricordi Fulmini بنقل فكرة المشروع بأكبر قدر من الوضوح والمباشرة — فهو يُستخدم في آخر فيلم وثائقي عن هاري بوتر، ويكاد يكون بمثابة رسم توضيحي بحد ذاته. أما في المثال الثاني، فنرى ما يمكن وصفه بـ”خط الحصان العامل” — خط عملي، وظيفي، لا يجذب الانتباه لنفسه، لكنه لا يعمل في فراغ، فأشكاله الصارمة والمُحكمة ترسل رسالة ضمنية بأننا على موقع شركة تكنولوجية.
طابع الخط هو أمر تجريدي بطبيعته، ومن الصعب أحيانًا التعبير عنه بدقة، خاصة لمن ليست لديهم خبرة طويلة في المجال. ولمساعدتك على تنظيم انطباعاتك وتحليلها، يمكنك تفكيك هذا الطابع إلى عناصر محددة، وتحليل كل منها على حدة: الإيقاع الملمس أو النسيج البصري والنِّسَب والوزن وأشكال الحروف فهذه العناصر مجتمعة تُكوّن الانطباع العام الذي يتركه الخط في أذهاننا. وفيما يلي، سأقدّم بعض الأمثلة لتوضيح ذلك.
أُطلق على TT Autonomous وصف “البُرُوتالي” بفضل فراغاته الداخلية الحادة والزاويّة، وأشكاله المربّعة، بالإضافة إلى سُمك الحروف. وهو أيضًا ديناميكي بسبب الزوايا المائلة النشطة والإيقاعية، وبسبب عرض الحروف. كما يُشعِر بالـثقة بفضل العرض، السماكة، وشكل الحروف المستقرة مثل “r” و”i” و”l” ذات القواعد العريضة.
أما TT Trailers، فيبدو ناعمًا ولعوبًا بفضل نهاياته المنحنية إلى الداخل. وفي الوقت نفسه، فهو غريب الأطوار بسبب: درجة الضغط الشديدة في الحروف النسيج البصري الكثيف والمزدحم التعويضات التصميمية البارزة.
وأخيرًا، يتمتع TT Ricordi Allegria بـ: نِسَب كلاسيكية تباين بسيط مع انتقالات أنيقة بين الخطوط الرفيعة والسميكة كما أنه يبدو هادئًا وبطيئًا — حيث يتكوّن فقط من حروف كبيرة مصغرة كل ذلك يدلّ بوضوح على أننا أمام خط راقي وفاخر.
تحديد طابع الخط الزخرفي (العرضي) ليس بالأمر الصعب، لكن الأمر يختلف عند التعامل مع خط محايد — فهنا يجب الانتباه بدقة إلى الفروق الدقيقة.
في TT Hoves Pro، نلاحظ: نهايات مستقيمة في الحروف “t” و”r” و”y”؛ قواعد أفقية واضحة في التقاء الزوايا في “N” و”v”؛ وهذا كله يمنح الخط طابعًا تقنيًا. أما نِسَب الحروف فهي متساوية العرض تقريبًا، والنسيج البصري منتظم جدًا، والأحرف ليست ضيقة، بل تحتوي على الكثير من المساحات البيضاء، مما يخلق شعورًا بـالرصانة والثقة بالنفس.
أما TT Commons Pro، فرغم أنه قد يبدو مشابهًا للوهلة الأولى، إلا أنه يترك انطباعًا مختلفًا تمامًا عند التمعّن فيه. نجد أن: الأقواس فيه أكثر سلاسة؛ الحروف أضيق؛ البيضويات أقل زاويّة؛ وحرف “o” له شكل أقرب إلى المعين. أستطيع أن أصف هذا الخط بأنه رشيق جدًا، وربما حتى هشّ بعض الشيء.
في TT Livret Text، تأتي الحروف بأشكال واضحة وحادة، ويمكنني وصفها بأنها واثقة وثابتة. الخط لا يحتوي على زخارف تقليدية مثل النهايات المدببة أو القَطَرات، وهي عناصر شائعة في خطوط الأنتيكا الكلاسيكية. كما أن تباين السماكات منخفض نسبيًا بالنسبة لخط من نوع أنتيكا، مما يمنحه طابعًا عصريًا. نلاحظ أيضًا أن النهايات في العديد من الحروف تتجه نحو اليمين وأعلى قليلًا، كما في الحروف “a” و”t” و”e” و”c” — وهذا يضفي على الخط إحساسًا بالحركة والديناميكية.
نصائح لتنسيق أزواج من الخطوط
كل ما ناقشناه في القسم السابق يمكن أن ينطبق على اختيار خط واحد أو عدة خطوط في المشروع. فإذا كنت تختار زوجًا من الخطوط، فعليك تحليل كل خط على حدة بالطريقة نفسها. أما الآن، فلنرَ كيف يمكن “تزويج” عائلتين خطيتين معًا بشكل ناجح.
أكرر هنا: أول خطوة أساسية هي تحديد أهداف مشروعك بوضوح. فمن دون هدف واضح، ستبقى جميع اختياراتك غير مدعومة بأسس منطقية. بعد ذلك، يجب تحديد الترتيب الهرمي بين الخطوط: أي معرفة أي خط سيكون الرئيسي، وأي خط سيكون مساندًا. وبرأيي، من الأفضل غالبًا جعل الخط الأكثر استخدامًا هو الخط الرئيسي. لكن، وكالعادة، فإن هذا القرار يعتمد على طبيعة المشروع نفسه.
القاعدة الأهم عند تنسيق الخطوط هي: يجب أن تكون هناك علاقة واضحة بين الخطين. بمعنى: يجب أن يكون من السهل إدراك أوجه التشابه والاختلاف بينهما. وعليه، من الأفضل تجنب الجمع بين: خطوط متشابهة جدًا (لأنها قد تبدو متضاربة وغير متناسقة) أو خطوط لا تربط بينها أي علاقة بصرية واضحة
دعونا نبدأ مباشرةً بمثال سيئ. في هذا المثال، نرى خطَّي غروتيسك، كلاهما له نِسَب متشابهة وأشكال متقاربة جدًا، ولا يحتوي أي منهما على طابع عرضي. هذا مثال على خطّين متشابهين إلى حدٍّ كبير. ولا يبدو واضحًا لماذا تم استخدام كلا الخطين في التصميم، بينما كان بالإمكان الاكتفاء بأحدهما فقط. بشكل عام، الجمع بين خطوط غروتيسك متعددة أمر محفوف بالمخاطر، ويحذر منه كثير من المصممين. لكن شخصيًا، لا أجد بأسًا في مثل هذه التوليفات — إذا تم تنفيذها بشكل مدروس. وسأوضح لاحقًا ما أقصده بذلك.
وإليك كيف كان من الممكن التعامل مع الأمر بطريقة أفضل: نحن أبقينا على خط TT Commons، ثم اخترنا له خطًا ثانيًا مشابهًا له في الطابع، والنِسَب، وأشكال الحروف، لكنه ينتمي إلى فئة تصنيفية مختلفة — وهو خط سلاب. في هذه الحالة، تصبح الاختلافات بين الخطين واضحة ومرئية، مما يُضفي تنوعًا بصريًا دون فوضى. تُعدّ توليفة غروتيسك + أنتيكا (أو سلاب، كما في هذا المثال) من التوليفات الكلاسيكية والآمنة. لذا لا تتردد في اعتمادها في مشاريعك.
وإليك مثالًا آخر مشابهًا، لكن في هذه الحالة، تُستخدم الأنتيكا في العنوان، والخطّان ليسا متشابهين بنفس القدر كما في المثال السابق. ومع ذلك، يمكن التقاط التشابه بينهما على مستوى “نسيج الكتابة” — ففي كلا الخطين، النسيج منتظم وإيقاعي ونسبيًا كثيف. ولكي أوضح ما أعنيه بذلك، سأقدّم مثالًا آخر تُظهر فيه الاختلافات في النسيج بشكل أكبر، مما يجعل التوليفة أقل توافقًا.
هنا قمنا باستبدال خط الغروتيسك، وسرعان ما أصبح واضحًا أن نسيجه البصري أكثر انفتاحًا وحرية مقارنةً بخط الأنتيكا. ويمكن الشعور بوجود تنافر (ديسونانس) بين الخطين. ومع ذلك، يمكن معالجة هذا الشعور — دون الحاجة لتغيير الخطوط.
قمنا بزيادة حجم خط الأنتيكا حرفيًا لزيادة كمية الفراغ الأبيض داخله. وفي خط الغروتيسك، قمنا بتفعيل البديل السياقي لحرف “a”، مما حوّله من شكل دائري موحّد إلى شكل ثنائي الأجزاء، الأمر الذي جعل شكل النص يبدو أقل خفةً وانفتاحًا. الآن أصبح تنسيق الخطين أكثر انسجامًا وتوازنًا.
وإليكم مثالًا على مزج خطّين من نوع الغروتيسك. في هذا المثال، استخدمنا تباينًا واضحًا في العرض — وهو أسلوب فعّال آخر عند تنسيق الخطوط. هنا من المهم التعامل بحذر مع حجم الخط الضيّق: لكي لا تبدو كثافة حروفه أعلى من الخط المستخدم في النص الأساسي، يفضَّل جعل عنوان الخط الضيّق أكبر حجمًا بشكل ملحوظ.
الآن لنلقِ نظرة على مزج خطوط الأنتيكفا — وهو أمر ليس بالسهل أيضًا. في هذا المثال، نستخدم TT Ricordi Marmo كخط عرض إلى جانب TT Livret. رغم أن الخطين يختلفان بوضوح من حيث الأسلوب والرسم، إلا أنهما يتشابهان في نسيج أشكال الحروف، وهو ما يخلق عنصرًا مشتركًا يوحّدهما.
وإليكم مثالًا مشابهًا آخر، ولكن الدمج هنا أكثر تعبيرًا. نلاحظ وجود تباين في العرض وكون أحد الخطين زخرفيًا (عُنوانيًا)، في حين نجد تشابهًا في أشكال الحروف، والأسلوب الرسومي، ونسيج الكتابة.
وهكذا نكون قد فهمنا كيفية دمج الرسوميات بين الخطوط. الآن يمكننا الانتقال إلى المستوى التالي: التفكير في دمج الشخصيات أو الطابع العاطفي للخطوط. ففي النهاية، نحن لا نختار الخطوط عشوائيًا — بل لنُوصل من خلالها إحساسًا أو رسالة معيّنة. لذلك، من المفيد تخيّل كيف سيتفاعلان داخل التصميم — بل يمكنكم حتى تخيّل: كيف سيكون الحوار بين الخطين لو تحوّلا إلى شخصين حقيقيين!
دعونا نأخذ آخر تركيبة من خطوط الأنتيـكفا — الخط العنواني TT Espina والنصي TT Barrels. والآن، لنقم باستبدال TT Barrels بـ TT Commons.
سأقول إن TT Espina يتمتع بطابعٍ قلِق ومتوتر. أما TT Barrels، فهو لا يهدئه، بل على العكس، يُعزز هذا التوتر العصبي. والنتيجة هي تركيبة قلقة ومضطربة جدًا. هذا ليس أمرًا جيدًا أو سيئًا بحد ذاته، بل مجرد حقيقة. يمكن أن تكون هذه التركيبة مناسبة، على سبيل المثال، لمشروع جوي ذو طابع قوطي. أما TT Commons، فمن ناحيته، يتوافق في الرقة والدقة مع TT Espina، لكنه هادئ ولا يحمل أي توتر. وبالتالي، فإن TT Commons في تركيبة مع TT Espina لا يُعيق تعبيره، ولا يُضيف له توترًا، بل يعمل كخلفية هادئة تُبرز تعبيرية هذا الخط الأنتيكفا.
لنواصل ونرَ كيف سيبدو TT Espina بجانب خط واثق من نفسه، مثل TT Hoves. ومن المثير للاهتمام، أنه عند عرض الخطين بحجم كبير وبمقياس متقارب، يتولد انطباع بأنهما لا ينسجمان معًا. يبدو أن TT Hoves، بثقله وثباته، يطغى على TT Espina الهش والرقيق. بالمقارنة، فإن تركيبة TT Espina مع TT Common تبدو أكثر انسجامًا وتوازنًا عند هذا الحجم.
ولكن إذا قمنا بتصغير حجم TT Hoves بشكل كبير ووضعناه في النص، فإنه يتوقف عن طغيان TT Espina. في هذا السياق، يخلق تباينًا رائعًا معها من جهة، ومن جهة أخرى يمد لها “كتفًا قويًا” تستند إليه. أما TT Commons، فيبدو هنا أضعف بكثير مقارنةً به.
هكذا يمكن أن تكون العلاقات العميقة بين الخطوط!
نصائح عملية
قد يبدو كل هذا معقدًا ومربكًا في البداية. وإذا كانت لديك شكوك أثناء اختيار الخطوط، يمكنك الاستفادة من بعض الحيل المفيدة: أولًا، جرّب الجمع بين أنماط فرعية مختلفة من نفس العائلة الخطية.
ثانيًا، اختر خطوطًا صممها نفس المصمم — فعادةً ما تتناغم بشكل رائع مع بعضها البعض. جرّب وسترى بنفسك.
هنا نرى توليفة كلاسيكية بين النمط العناويني (الديسبلاي) والنمط النصي من نفس العائلة الخطية. يمكن اعتبار هذا الخيار الأكثر أمانًا.
وإليكم مثالًا كلاسيكيًا نوعًا ما على مزج بين غروتيسك وأنتيكفا من نفس العائلة الخطية. ومع ذلك، لا بد من بذل بعض الجهد للعثور على عائلات خطوط شاملة بهذا الشكل.
من الأسهل العثور على خطوط صممها نفس المصمم. فلكل مصمم خطوط أسلوبه الخاص، ولهذا السبب يمكن العثور على أوجه تشابه حتى بين خطوط مختلفة تمامًا — سواء في بنية الحروف أو في طابع الرسم. أي أننا ما زلنا نعمل على مبدأ التشابه والاختلاف بين خطين، لكننا نوفر لأنفسنا بعض الأمان بالبقاء ضمن إطار أسلوب المؤلف. على سبيل المثال، الخطان TT Ramillas وTT Commons، رغم اختلافهما من حيث الفئة التصنيفية وبنية الحروف، إلا أنهما متشابهان من حيث النسب العامة ورقة الرسم.
كخلاصة
دعونا نلخّص: ماذا يجب أن تعرف لتوفّق بين الخطوط بشكل صحيح؟ من جهة، من المهم أن تتعلّم تحليل الخطوط، وفهمها، والإحساس بها. كل ذلك يأتي مع الممارسة، عندما تبدأ بتجريب الأمور بنفسك، وتحاول أن تدرك لماذا يعجبك خط معيّن أو توليفة معيّنة من الخطوط. ومن المفيد دائمًا الاطلاع على أمثلة من مشاريع أخرى. من جهة أخرى، عليك أن تفهم مشروعك جيدًا، والدور الذي يؤديه الخط فيه.
لم أسمِّ القسم السابق “قواعد” بل “نصائح” لتنسيق الخطوط عن قصد. فبغض النظر عن رغبتنا في تحديد ما هو جيد وما هو سيئ، لا توجد قواعد صارمة لتنسيق الخطوط. لكن هناك مبادئ أساسية يمكنك الاعتماد عليها لاحقًا لاتخاذ قراراتك الخاصة. ففي نهاية المطاف، ومع المهارة والجرأة الكافيتين، يمكن حتى لخطّين لا يتناسبان إطلاقًا أن يعملا بتناغم إذا ما وُظِّفا بذكاء.
الموارد المفيدة
لكي يكون من الأسهل عليكم الاستمرار في التعمق بأنفسكم في تحليل توليفات الخطوط المثيرة للاهتمام، أشارككم هنا بعض الموارد المفيدة:
- fontsinuse.com – ستجدون هنا أمثلة واقعية لاستخدام خطوط معينة، ويمكنكم مشاهدة كيف ومَع ماذا يستخدم المصممون الآخرون الخطوط التي أعجبتكم.
- awwwards.com – موقع يحتوي على أمثلة رائعة من الطباعة الحديثة والجريئة في تصميم الويب.
وإذا صادفتم موقعًا ما وأعجبتكم الخطوط المستخدمة فيه، يمكنكم معرفة أسمائها من خلال اثنين من الإضافات:
- Fonts Ninja – هو الأكثر كفاءة، لا يكتفي بالكشف عن أسماء الخطوط بل يتيح لكم أيضًا اختبارها مباشرة.
- أحيانًا أستخدم الإضافة الثانية WhatFont – وهي أبسط، لكنها تُظهر اسم الخط مباشرة عند تمرير المؤشر فوق النص.
