
مرحبًا بكم في الدرس السابع من سلسلتنا “معهد TT”! نواصل اليوم الغوص في عملية تصميم الخطوط. ننصحكم بالاطلاع على الدروس السابقة من هذه السلسلة قبل متابعة هذا الدرس.
في هذا الدرس، سنواصل الحديث عن التعويضات البصرية وسنتعرف على كيفية تحديد ارتفاعات الحروف الكبيرة والصغيرة، بالإضافة إلى فهم مفهوم التباين في الخطوط. وستواصل الحديث عن هذه المواضيع أنطونينا جولكوفا، المصممة الرئيسية في TypeType. تعمل أنطونينا في مجال تصميم الخطوط منذ أكثر من خمس سنوات، وهي صاحبة الأفكار والمصممة الرئيسية لمشاريع مثل TT Neoris وTT Ricordi Allegria وTT Globs وIvi Sans Display، وشاركت أيضًا في تصميم خطوط مثل TT Fellows وTT Fors وTT Interphases Pro وTT Commons وRed Collar وغيرها الكثير.
التعويضات البصرية: سُمك وارتفاع الحروف
في المقال السابق، توقفنا عند نقطة أنه عند رسم الحروف ذات البنية المثلثة، يجب أن نبدأ برسم الخطوط القطرية بسُمك أقل قليلًا من السُمك الأساسي لجذع الحرف «H»، وأن نختبر كل حرف ضمن السياق مع الحروف الأخرى. فمعظم الحروف المثلثة ذات الخطوط القطرية تحتوي على نقاط التقاء لهذه الخطوط، وهذه النقاط تبدو بصريًا أكثر سُمكًا (وهذا ينطبق أيضًا على حروف مثل «B»، «M»، «N»، «R» وغيرها الكثير)، ولهذا السبب يجب تعويضها بتقليل سُمك الخطوط المتلاقية.
هناك أيضًا نقطة مهمة لا يجب نسيانها، وهي الاختلاف البصري في إدراكنا للخطوط القطرية الصاعدة والهابطة. الخطوط الصاعدة هي تلك التي تتجه في الرسم من الأسفل إلى الأعلى (مثل الخط الأيسر في حرف «A»)، أما الخطوط الهابطة، فهي التي تتجه من الأعلى إلى الأسفل (مثل الخط الأيمن في «A»). وغالبًا ما يجد المصممون المبتدئون صعوبة في تذكر نوع كل خط قطري. لذلك أنصح برسم الحرف يدويًا بأي أداة على الورق — فستقودك اليد تلقائيًا إلى الاتجاه الطبيعي للحركة.

تبدو الخطوط الصاعدة، بسبب حركتها النشطة بصريًا من الأسفل إلى الأعلى، أكثر سماكة (وأذكّر أننا نقرأ من اليسار إلى اليمين ومن الأعلى إلى الأسفل، لذا فإن الحركة المعاكسة للخطوط تجذب الانتباه أكثر). لهذا السبب، في الخطوط الغروتسكية التي لا تحتوي على تباين ملحوظ، يكون الخط الهابط دائمًا أكثر سماكة بقليل من الخط الصاعد. أما في الخطوط الأنتيكفا، فإن سماكة الخطوط الصاعدة والهابطة تختلف بوضوح (فالخطوط الصاعدة تكون تقريبًا دائمًا رفيعة، والهابطة سميكة)، وهذا نابع من التقاليد الخطية (الكاليغرافية).
لنعد إلى أشكالنا الهندسية. يجب أيضًا تعديل ارتفاع الحروف المثلثية بما يتناسب مع الأشكال الأخرى. فموضع التقاء الخطوط القطرية يبدو دائمًا أفتح بسبب قلة اللون الأسود فيه، وبالتالي يبدو الحرف نفسه أقصر مقارنة ببقية الحروف. وللتعويض عن ذلك، هناك خياران للرسم: الأول — إجراء “قطع” أفقي في موضع التقاء الخطوط (أي “قص” قمة المثلث)، والثاني — جعل القمة الحادة تتجاوز خط ارتفاع الحروف المستقيمة. ويمكن رؤية كل هذه التفاصيل بوضوح في أمثلة من الغروتسك والأنتيكفا.

كذلك في مرحلة تحديد السماكات، وبالاعتماد على الرسومات التخطيطية التي تم إعدادها مسبقًا، يمكنك تحديد ارتفاعات الحروف الكبيرة (الحروف الكبيرة اللاتينية) والحروف الصغيرة، وكذلك مستوى التعويضات البصرية. في النهاية، يجب أن نحصل على عدة قيم أساسية سنعتمد عليها لاحقًا أثناء عملية الرسم:

- ارتفاع الحروف الكبيرة — هو ارتفاع الحرف «Н». يستخدم كل مصمم خطوط منطقه الخاص لتحديد هذا الارتفاع، ولكن عادةً ما يتراوح ارتفاع الحروف الكبيرة بين 680 و730 نقطة. إذا كان للخط غرض معين (على سبيل المثال، إذا كان مخصصًا لواجهات المستخدم)، فمن الأفضل مقارنة الخطوط المنافسة لتحديد موضع خطك بينها؛
- سماكة الساق في الحروف الكبيرة المستقيمة (مثل «Н»)،
- سماكة الساق في الحروف الدائرية (مثل «О»)، وهل تختلف عن سماكة «Н»، وإذا كانت كذلك، فبأي مقدار. يمكن تحديد الفرق في السماكة من خلال الاختبار في النص — انقل بعض الحروف من الرسومات إلى محرر الخطوط وجرّبها ضمن كلمات ونصوص بأحجام مختلفة لتفهم أي فرق في القيم يبدو الأنسب.
- ارتفاع التعلّق للحروف الدائرية؛
- سماكة الخطوط القُطرية (كما في «А»)،
- سماكة الخطوط الأفقية (في «Н»، «А» و«О»)، وهل تختلف فيما بينها، وإن كانت كذلك، فما مقدار الفرق؛
- ارتفاع الحروف الصغيرة — وهو ارتفاع الحرف «n» أو «x» (دون احتساب القوس، الذي غالبًا ما يكون مساويًا لارتفاع التعلّق). الحجم القياسي لارتفاع الحروف الصغيرة في محررات الخطوط هو 500 وحدة (وللحروف الكبيرة — 700)، وأقترح الاعتماد على هذا القياس كنقطة انطلاق. عند اختيار ارتفاع الحروف الصغيرة، من الأفضل الرجوع إلى رسوماتك ومكان الخط في التصنيف النمطي. فعلى سبيل المثال، في خطوط الأنتيكفا الكلاسيكية القديمة، يكون ارتفاع الحروف الصغيرة عادةً منخفضًا. أما في الخطوط المحايدة، فغالبًا ما تُرسم الحروف الصغيرة بشكل أكبر لزيادة الوضوح، لكن في الوقت نفسه يجب الانتباه ألا تبدو العناصر الصاعدة صغيرة جدًا. وفي الخطوط المخصصة للعناوين، يمكن أن تكون الحروف الصغيرة بأي حجم يخدم الفكرة البصرية.
- سماكة السيقان في الحروف المستقيمة مثل «n» والحروف الدائرية مثل «о»، وسماكة الخطوط القطرية كما في الحرف «v». يجب أن تتوافق هذه القيم مع القيم المخصصة للحروف الكبيرة، لكنها في الوقت نفسه يجب أن تكون أخف بصريًا لكي يظهر النص بمظهر متوازن عند جمعه في سطر؛
- ارتفاع التعلّق للحروف الدائرية: في معظم الأحيان، يطابق هذا الارتفاع نفس قيمة التعلّق في الحروف الكبيرة، ولكن في بعض الخطوط أو الأوزان، قد يكون هذا الارتفاع أقل في الحروف الصغيرة. لتحديد القيمة المثلى، يجب اختبار الخط ومراقبة مدى «توازن» السطر بصريًا؛
- ارتفاع العناصر الصاعدة والهابطة: بعد تحديد الارتفاع الأساسي للحروف الصغيرة، يجب الانتقال إلى تحديد ارتفاع العناصر الصاعدة والهابطة. من الأفضل أن تكون هذه العناصر متساوية تقريبًا في الطول من الناحية البصرية، وألا تكون العناصر الصاعدة أطول بكثير أو أقصر من الحروف الكبيرة. وسأعود لاحقًا لمناقشة أبعاد وأشكال هذه العناصر بمزيد من التفصيل.
جميع القيم المذكورة تعتمد على وحدة القياس 1000 وحدة لكل Em. هذه الوحدة تُستخدم في الطباعة وتصميم الخطوط، وتشير إلى عدد الوحدات في “مربع الـEm” — وهو حقل افتراضي تمثل ارتفاعه المسافة المفترضة بين أسطر النص المكتوب بخط من نفس الحجم. هذا هو الإطار الشبكي وعدد الوحدات (النقاط) الذي تراه عند رسم الغليفات. الأكثر شيوعًا هو استخدام شبكة من 1000 وحدة، لكن يمكن أيضًا العثور على 1024، 2048 وغيرها. يمكن العثور على هذا المعامل في ملف الخط داخل تبويب Font Info.
كل هذه القيم تُعتبر نقاط مرجعية بالنسبة لنا، ويجب تكرارها في الحروف الأخرى (حسب «المجموعة» التي تنتمي إليها — مستقيمة، دائرية أو مثلثية). لكن لا تنسَ أنه ستكون هناك حاجة أيضًا إلى تعويضات خاصة في السماكات لبعض الحروف، حتى تبدو الكتلة العامة للون الأسود متوازنة (وهذا يتعلق بالحروف التي تحتوي على عدد كبير من الخطوط أو في الأوزان الثقيلة).
وقد حان الوقت للعودة إلى مثالنا — الغروتيسك المحايد للاستخدام في الواجهات، والأنتيكفا — لنرى كيف تم تنفيذ جميع ارتفاعات الحروف فيهما.

المهمة الأساسية عند العمل على السماكات والارتفاعات هي الاختبار المستمر للحروف داخل النص ومقارنتها ببعضها البعض. من المهم أن تفهم ما إذا كانت “فضة النص” محفوظة في ظل القيم التي اخترتها، أم أن بعض الحروف تبدو غريبة، وهل تتناسب هذه السماكات مع فكرة الخط والغرض منه.
“فضة النص” هو مصطلح طباعي جاء إلينا من عصر الطباعة المعدنية. ويشير إلى خاصية الكتلة النصية المُعدة بشكل جيد، والتي تظهر على الصفحة كبقعة لونية موحدة. عند تصميم الخطوط، من الضروري السعي إلى تجانس الكتلة السوداء والبيضاء في الحروف، بحيث يبدو النص متجانسًا عند القراءة.
التباين
جزء بصري مهم في رسم الحروف هو التباين. مفهوم التباين موجود في أي خط. من خلال تغيير خصائصه، يمكن الحصول على نتائج مختلفة تمامًا في الشكل النهائي للحروف. التباين هو نسبة عرض الخطوط الأساسية إلى الخطوط الثانوية. في معظم الأحيان، يُقصد بهذا المصطلح الفرق بين الخطوط الرأسية (الـ stems) والخطوط الأفقية.
هناك عدة خصائص للتباين:
- درجة التباين: يمكن أن تختلف درجة التباين في الخطوط — من غير ملحوظة تقريبًا في الخطوط الجروتسكية المحايدة إلى درجة عالية في الخطوط الأنتيكفا من النمط الجديد. كما يوجد ما يُعرف بالتباين العكسي.

- نوع التباين. تشير هذه الخاصية إلى الأداة الكتابية التي تؤثر على طابع الحروف. في الخطوط التي تحتوي على تباين، تكون هذه الخاصية ذات أهمية كبيرة، لأن أشكال الحروف تعتمد على نوع الخط. وكلما كان الخط “تاريخيًا” أكثر، زاد تأثير الأداة على الأشكال. هناك ثلاثة أنواع من التباين: تباين القلم العريض: ويعني درجة عالية من التباين؛ تباين القلم المدبب: ويتميز بدرجة منخفضة من التباين؛ النوع الانتقالي: يوجد في الخطوط الانتقالية، ويجمع بين خصائص النوعين السابقين.

يُعدّ التباين في الخطوط الأنتيكفا مهمًا للغاية، فاتباع قواعد توزيع التباين هو ما يوضح لنا أن هذا الخط تحديدًا ينتمي إلى فئة الأنتيكفا، وعلى هذا الأساس نقوم بتقييمه. ولإنشاء خط أنتيكفا جيد، أنصح بممارسة فن الخط الكاليغرافي ومراقبة المراجع التاريخية بكثرة (مثلًا على موقع https://letterformarchive.org/ أو من خلال البحث عن عينات خطوط على https://archive.org/)، كما يُستحسن تحليل الخطوط الحديثة والمعروفة، وقراءة الكتب المتخصصة في فن الخط وتصميم الحروف. ولمعرفة المزيد عن الخطوط، والتباين، والسماكات، أنصح بشدة بقراءة كتاب غيريت نوردزاي “الخط. نظرية الكتابة”.

لكي يبدو خطك متناسقًا ومتجانسًا، من الضروري الالتزام بخصائص التباين التي اخترتها منذ البداية، وإلا سيُنظر إلى الخط على أنه مجموعة من الحروف المختلفة وليس كنظام موحّد. ومع ذلك، فإن المعرفة بالتباين لا تقتصر على كونها مقيّدة، بل يمكن أن تكون أداة فعّالة في تصميم الحروف. من خلال فهم قواعد توزيع التباين، يمكنك استخدامها كأسلوب رسومي لإنشاء خطوط مميزة وفريدة. على سبيل المثال، الخطوط ذات التباين المعكوس لا تفقد جاذبيتها أبدًا؛ كما أن استخدام التباين في حروف معينة فقط يمكن أن يضيف طابعًا خاصًا ومميزًا لخطك؛ وزيادة التباين في أنماط مختلفة من نفس الخط يسمح بإنشاء تنويعات متعددة في الاستخدام. كسر القواعد بوعي يضفي طابعًا فريدًا على الخط، ومن هذا المنطلق، يُعد التباين أحد أقوى أدوات مصمم الخطوط.

الأحجام البصرية
عند التحضير لرسم الحروف، من الضروري أيضًا تحديد حجم الاستخدام المتوقع للخط. هذا الجانب يؤثر على كيفية ظهور الأشكال نفسها. في هذه المقالة، سنتناول فقط الجوانب الأساسية المهمة للبدء بالرسم، وسنناقش موضوع الأحجام البصرية بشكل أعمق في المقالات القادمة.
يؤثر حجم النقطة المستخدمة (حجم الكلمة على الشاشة أو على الورق) على كيفية إدراك العين لحدود الحروف — فكلما كبر حجم الحرف، زادت الحاجة إلى تفاصيل أكثر في تصميمه. هذا هو الفرق الجوهري بين الخطوط النصية وخطوط العناوين: إذا كان من المفترض استخدام الخط في أحجام صغيرة، فإن الهدف الرئيسي للحروف هو نقل الانطباع العام. في هذه الحالة، تصبح كثافة النص والإيقاع أهم من التفاصيل (التي لن تُرى بوضوح في الأحجام الصغيرة على أي حال). أما في خطوط العناوين، فتكون الرسومية البصرية لكل حرف أكثر وضوحًا، وتصبح التفاصيل الدقيقة ذات أهمية كبيرة.

ما هي الخصائص الأخرى التي يمكن أن تؤثر على إدراك الخط في أحجام بصرية مختلفة:
- التباين في الخطوط الأنتيكفا: كلما زاد مستوى التباين، كلما كان من الضروري استخدام الخط في حجم نقطة (كِغِل) أكبر، لأن الأجزاء الرقيقة من الحروف قد لا تظهر بوضوح في الطباعة أو على الشاشة في الأحجام الصغيرة؛
- عرض الحروف: تؤثر نسب الحروف (العرض أو الضيق) بشكل كبير على إدراك الخط، ففي الأحجام الصغيرة، يُنظر إلى الحروف العريضة على أنها أسهل في القراءة من الحروف الضيقة. يمكن التعبير عن ذلك بهذه الطريقة: كلما صغر حجم الحروف، زاد عرضها الذي يُفضّل استخدامه (وهذا لا يشمل الحروف الممتدة عمدًا أو المصممة بشكل غير اعتيادي)؛
- حجم الحروف الصغيرة: إذا كان من المتوقع استخدام الخط في أحجام نقطة صغيرة، فيجب أن تكون الحروف الصغيرة أكبر نسبيًا مقارنة بالحروف الكبيرة لضمان قراءة أوضح للنص.
- انفتاح الفتحة: درجة انفتاح الحروف تؤثر أيضًا على سهولة القراءة — فالنص ذو الفتحات المفتوحة يُقرأ بسهولة أكبر. في المقابل، الحروف ذات الفتحات المغلقة تُعطي انطباعًا أكثر ثباتًا واستقرارًا، مما يجعلها مناسبة أكثر للعناوين الكبيرة التي تحتاج إلى جذب الانتباه.
- تفاصيل الحروف، تمامًا كما هو الحال مع التباين، من الصعب على العين إدراكها في الأحجام الصغيرة، وقد تضيف ضجيجًا بصريًا غير مرغوب فيه داخل كتلة النص. لذلك من المهم أخذ هذا الجانب بعين الاعتبار عند رسم جميع الحروف.
- المسافات: كمية المساحة البيضاء حول الحروف يجب أن تتغير أيضًا حسب حجم الاستخدام، لكننا سنتحدث عن هذا الموضوع بتفصيل أكبر في الفصول القادمة.
يمكنكم معرفة المزيد عن هذا الموضوع في كتاب “Size-specific adjustments to type designs” من تصميم استوديو Just Another Foundry، وكذلك في كتاب “Reading Letters: Designing for Legibility” من تأليف صوفي باير (Sofie Beier).
الخطوط المصممة للاستخدام في أحجام مختلفة يمكن أن تكون جزءًا من نفس العائلة الطباعية، وبالتالي تتشابه في أشكال الحروف والمفهوم العام، لكنها تختلف في التفاصيل. لدينا بالفعل مثال على مثل هذا الخط — أنتيكفا حديثة تحتوي على أنماط نصية وأنماط عرضية.


في المقالة التالية، سنتحدث عن الحروف الكبيرة: سنتعمق في منطق الرسم الأساسي ونسب الحروف.